= الهروب....
أظلمت الدنيا في عينيه.... فلم يعد يرى شيئأً....
يمم وجهه تلقاء المنزل....
هو لايتذكر كيف سار؟ ولا كيف وصل؟
أغلق الباب خلفه.... وإنطلق نحو غرفته....
أطفأ الأنوار.... أغلق كل شيء يصدر صوتاً....
قضى على كل شيء ينبض بالحياة....
شدة الحر لم تجبره على فتح جهاز التكييف....
ألقى بنفسه على سريره وألقى بوسادته على وجهه....
أغمض عينيه فإنطلقت الدموع تجري على خديه....
كظم نشيجه وأنينه....
وفي هدأة السكون.... ومن بين الظلام الذي تسربل به....
تسلل صوتٌ ضعيف إلى سمعه.... تك، تك، تك....
أطبق بالوسادة على أذنيه.... لكن الصوت زلزل كيانه....
إنتفض من فراشه صوب نظره نحو الحائط فلم يرَ شيئاً....
ظن الصوت من الساعة، قذف بإحدى الآلات القريبة منه نحوها....
صوت الإنكسار ومن بعده الإرتطام، هزت جوانحه....
لكنه تحمل فالصوت حتماً سينقطع....
عاد الهدوء إليه، وعاد هو ليستلقي على سريره....
ولكن الصوت عاد تك، تك، تك، مرةً أخرى إليه....
إنتفض من فراشه.... أضاء الأنوار.... وراح يتتبع مصدر الصوت....
بحث في كل مكان فلم يعثر عليه....
عاد إلى غرفته، حاول أن يتناسى الصوت....
وضع وسادة أكبر من الأولى....لكن الصوت لازال يقض مضجعه....
خرج مرة أخرى، شدة الغضب، جعلته أكثر تركيزاً....
توجه نحو المطبخ.... زفر زفرة شديدة....
أعلن فيها الإنتصار.... وجدته صرخ بها في غضب....
توجه نحو محبس الماء والذي كان تتساقط منه قطرات ماء على بعض الأواني النحاسية....
أمسك به حاول إغلاقه، لكن محاولته باءت بالفشل....
أطبق عليه بيديه وبكل ما أوتي من قوة، فانكسر المحبس وانطلق الماء كالشلال....
حاول إيقافه فتبلل وجه وجسده....
أسرع نحو المحبس الرئيسي ليغلقه....
توقف الماء.... فانطلقت منه ضحكة شعر معها بأن الحياة بدأت تدب في جسده....
أطبق على تلك الضحكة بشفتيه....
لكن مشاعر السعادة بدأت تتسلل إلى قلبه كما تسلل ذلك الصوت قبل لحظات....
بدأ يفكر في سر الماء وسر الحياة....
تذكر قول الله عز وجل: {وجعلنا من الماء كل شيءٍ حي...} الآية.
سبحان الله إنطلقت من شفتيه، أعلن بها الإنتصار على النفس....
توجه نحو الغرفة أضاء الأنوار، غير ملابسه....
توضأ شعر وهو يتوضأ أن الهم والحزن يتناثر مع ماء الوضوء....
نظر في المرآة إلى وجهه تغير كل شيء، ذهب العبوس والبؤس....
تردد بين جنبيه: «أرحنا بها يابلال، أرحنا بها يابلال....»
صلى لله ركعتين، ما أجملهما، شعر وكأنه لأول مرة يصلي....
شعر بحاجته للنوم، وضع رأسه وهو يردد: اعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، آمنت بالله، آمنت بالله....
أغمض عينيه وقد ذاق حلاوة الإيمان....
رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً....
الكاتب: عبدالله الهندي.
المصدر: موقع طريق التوبة.